فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قالوا: {وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ} فإن قيل: فما وجه قولهم ذلك له وهم قد صدقوه على قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. قيل الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه كان يعبد الأصنام وكان قومه يعبدونه، قاله الحسن.
والثاني: أنه كان يعبد ما يستحسن من البقر ولذلك أخرج السامري عجلًا جسدًا له خوار وقال هذا إلهكم وإله موسى، وكان معبودًا في قومه، قاله السدي.
والثالث: أنها كنت أصنامًا يعبدها قومه تقربًا إليه، قاله الزجاج.
وقرأ ابن عباس {وَيَذَرَكَ وَإِلاَهَتَكَ} أي وعبادتك.
قال الحسن: وكان فرعون يَعبُد ويُعبَد. وعلى هذه القراءة يسقط السؤال. وذكر ابن قتيبة في هذه القراءة تأويلًا ثانيًا؛ أن الإلاهة الشمس، والعرب تسمي الشمس الإلاهة واستشهد بقول الأعشى:
وَلَمْ أَذْكُرِ الرُّعْبَ حَتَّى انْتَقَلْتُ ** قُبَيْلَ الإِلاَهَةِ مِنْهَا قرِيبًا

يعني الشمس، فيكون تأويل الآية: ويذرك والشمس حتى تعبد فعلى هذا يكون السؤال متوجهًا عنه ما تقدم.
{قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ} وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لأنه علم أنه لا يقدر عل قتل موسى إما لقوته وإما تصوره أنه مصروف عن قتله، فعدل إلى قتل الأبناء ليستأصل قوم موسى من بني إسرائيل فيضعف عن فرعون {وَنَسْتَحِيي نِسَاءَهُمُ} فيه قولان:
أحدهما: أن نفتش أرحامهن فننظر ما فيهن من الولد، مأخوذ من الحياء وهو اسم من أسماء الفرج، حكاه ابن بحر.
والثاني: الأظهر أن معناه: نستبقيهن أحياء لضعفهن عن المنازعة وعجزهن عن المحاربة. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله ملأ فرعون {أتذر موسى وقومه} مقالة تتضمن إغراء فرعون بموسى وقومه وتحريضه على قتلهم أو تغيير ما بهم حتى لا يكون لهم خروج عن دين فرعون، ومعنى {أتذر موسى}: أتترك، وقرأ جمهور الناس {ويذرَك} بفتح الراء، ونصبه على معنيين: أحدهما أن يقدر وأن يذرك فهي واو الصرف فكأنهم قالوا أتذره، وأن يذرك أي أتتركه وتركك، والمعنى الآخر أن يعطف على قوله: {ليفسدوا} وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه {ويذرُك} بالرفع عطفًا على قولهم: {أتذر}، وقرأ الأشهب العقيلي {ويذرْك} بإسكان الراء وهذا على التحقيق من يذرك، وقرأ أنس بن مالك {وينذرُك} بالنون ورفع الفعل على معنى توعد منهم أو على معنى إخبار أن الأمر يؤول إلى هذا، وقرأ أبي بن كعب وعبد الله: {في الأرض} وقد تركوك أن يعبدوك {وآلهتك} قال أبو حاتم وقرأ الأعمش {وقد تركك وآلهتك}، وقرأ السبعة وجمهور من العلماء {وآلهتك} على الجمع.
قال القاضي أبو محمد: وهذا على ما روي أن فرعون كان في زمنه للناس آلهة من بقر وأصنام وغير ذلك، وكان فرعون قد شرع ذلك وجعل نفسه الإله الأعلى، فقوله على هذا أنا ربكم الأعلى، إنما هو بمناسبة بينه وبين سواه من المعبودات.
وقيل: إن فرعون كان يعبد حجرًا كان يعلقه في صدره كياقوتة أو نحوها، قال الحسن: كان لفرعون حنانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد لها، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يعبد البقر، ذكره أبو حاتم وقرأ ابن عباس وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأنس بن مالك وجماعة وغيرهم، {وآلهتك} أي وعبادتك والتذلل لك، وزعمت هذه الفرقة: أن فرعون لم يبح عبادة شيء سواه وأنه في قوله الأعلى إنما أراد: و{يقتّلون} بالتشديد وخففهما جميعًا نافع وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {يقتّلون} و{سنقتّل} بالتشديد على المبالغة، والمعنى سنستمر على ما كنا عليه من تعذيبهم وقطعهم.
وقوله تعالى: {وإنا فوقهم قاهرون} يريد في المنزلة والتمكن من الدنيا، و{قاهرون} يقتضي تحقير أمرهم أي هم أقل من أن يهتم بهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ}.
قوله تعالى: {أنذر موسى وقومه}.
هذا إِغراء من الملأِ لفرعون.
وفيما أرادوا بالفساد في الأرض قولان:
أحدهما: قتل أبناء القبط، واستحياء نسائهم، كما فعلوا ببني اسرائيل، قاله مقاتل.
والثاني: دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون وترك عبادته.
قوله تعالى: {ويذرَك} جمهور القراء على نصب الراء؛ وقرأ الحسن برفعها.
قال الزجاج: من نصب {ويذرَك} نصبه على جواب الاستفهام بالواو؛ والمعنى: أيكون منك أن تذر موسى وأن يذرك؟ ومن رفعه جعله مستأنفًا، فيكون المعنى: أتذر موسى وقومه، وهو يذرك وآلهتك؟ والأجود أن يكون معطوفًا على {أتذر} فيكون المعنى: أتذر موسى، وأيَذَرَك موسى؟ أي أتطلق له هذا؟.
قوله تعالى: {وآلهتك} قال ابن عباس: كان فرعون قد صنع لقومه أصنامًا صغارًا، وأمرهم بعبادتها، وقال أنا ربكم ورب هذه الأصنام، فذلك قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24].
وقال غيره: كان قومه يعبدون تلك الأصنام تقربًا إليه.
وقال الحسن: كان يعبد تيسًا في السر.
وقيل: كان يعبد البقر سرًا.
وقيل: كان يجعل في عنقه شيئا يعبده.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وأبو العالية، وابن محيصن: {والإِهتك} بكسر الهمزة وقصرها وفتح اللام وبألف بعدها.
قال الزجاج: المعنى: ويذرك وربوبيتك.
وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الإِلاهة: العبادة؛ فالمعنى: ويذرك وعبادة الناس إياك، قال ابن قتيبة: من قرأ: {وإِلاهتك} أراد ويذرك والشمس التي تعبد، وقد كان في العرب قوم يعبدون الشمس ويسمونها آلهةً.
قال الأعشى:
فَمَا أَذْكُرُ الرَّهْبَ حتَّى انْقَلَبْتُ ** قُبيْلَ الإلهَةِ مِنْها قَرِيْبا

يعني: الشمس.
والرهب: ناقته.
يقول: اشتغلت بهذه المرأة عن ناقتي إلى هذا الوقت.
قوله تعالى: {سَنُقَتِّلُ أبناءَهم} قرأ أبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {سنقتّل} و{يقتّلون ابناءكم} [الأعراف: 141] بالتشديد، وخففهما نافع.
وقرأ ابن كثير: {سَنَقْتُلُ} خفيفة، {ويقتِّلون} مشددة، وإنما عدل عن قتل موسى إلى قتل الأبناء لعلمه أنه لا يقدر عليه.
{وإنا فوقهم قاهرون} أي: عالون بالملك والسلطان.
فشكا بنو إسرائيل إعادة القتل على أبنائهم، فقال موسى: {استعينوا بالله واصبروا}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض} أي بإيقاع الفرقة وتشتيت الشَّمل.
{وَيَذَرَكَ} بنصب الراء جواب الاستفهام، والواو نائبة عن الفاء.
{وَآلِهَتَكَ} قال الحسن: كان فرعون يعبد الإصنام، فكان يَعْبُد ويُعْبَد.
قال سليمان التيِميُّ: بلغني أن فرعون كان يعبد البقر.
قال التيِميّ: فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شيئًا؟ قال نعم، إنه كان يعبد شيئًا كان قد جعله في عنقه.
وقيل: معنى {وآلهتك} أي وطاعتك، كما قيل في قوله تعالى: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله} [التوبة: 31] إنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم؛ فصار تمثيلًا.
وقرأ نُعيم بن ميسرة {وَيَذَرُكَ} بالرفع على تقدير وهو يَذرُكَ.
وقرأ الأشهب العقيليّ {وَيَذرْك} مجزومًا مخفف يذرُك لثقل الضمة.
وقرأ أنس ابن مالك {ونذرُك} بالرفع والنون.
أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حيًّا.
وقرأ عليّ بن أبي طالب وابن عباس والضحّاك {وإلاَهتك} ومعناه وعبادتك.
وعلى هذه القراءة كان يُعْبَد ولا يَعْبُد، أي ويترك عبادته لك.
قال أبو بكر الأنباريّ: فَمن مذهب أصحاب هذه القراءة أن فرعون لما قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24] و{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي} [القصص: 38] نفى أن يكون له رب وإلاهة.
فقيل له: ويذرك وإلاهتك؛ بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك.
وقراءة العامة {وَآلهِتَكَ} كما تقدّم وهي مبنية على أن فرعون ادعى الرُّبُوبيّة في ظاهر أمره وكان يعلم أنه مَرْبُوب.
ودليل هذا قولُه عند حضور الحمام {آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ} [يونس: 90] فلم يقبل هذا القول منه لما أتى به بعد إغلاق باب التوبة.
وكان قبل هذه الحال له إله يعبده سرًا دون رب العالمين جل وعز؛ قاله الحسن وغيره.
وفي حرف أبَيّ {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض وقد تركوك أن يعبدوك}.
وقيل: والإهتك قيل: كان يعبد بقرة، وكان إذا استحسن بقرة أمر بعبادتها، وقال: أنا ربكم ورب هذه.
ولهذا قال: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا} [طه: 18].
ذكره ابن عباس والسُّدِّي.
قال الزجاج: كان له أصنام صغار يعبدها قومُه تقربًا إليه فنُسبت إليه؛ ولهذا قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعلى}.
قال إسماعيل بن إسحاق: قول فرعون: {أنا ربُّكُم الأعلى}.
يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئًا غيره.
وقد قيل: إن المراد بالإلاهة على قراءة ابن عباس البقرة التي كان يعبدها.
وقيل: أرادوا بها الشمس وكانوا يعبدونها.
قال الشاعر:
وأعْجَلْنَا الإلاهة أن تَؤُبَا

ثم آنس قومه فقال: {سَنَقْتُلُ أبْنَاءَهُمْ} بالتخفيف، قراءة نافع وابن كثير.
والباقون بالتشديد على التكثير.
{وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} أي لا تخافوا جانبهم.
{وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} آنسهم بهذا الكلام.
ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه.
وعن سعيد بن جُبير قال: كان فرعون قد مُلىء من موسى رُعْبًا؛ فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى} يعني وقال جماعة من أشراف قوم فرعون لفرعون أتدع موسى {وقومه} من بني إسرائيل {ليفسدوا في الأرض} يعني أرض مصر وأراد بالإفساد فيها أنهم يأمرونهم بمخالفة فرعون وهو قوله: {ويذرك وآلهتك} يعني وتذره ليذرك ويذر آلهتك فلا يعبدك ولا يعبدها.
قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة كان يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمرهم بعبادتها ولذلك أخرج لهم السامري عجلًا.
وقال السدي: كان فرعون قد اتخذ لقومه أصنامًا وكان يأمرهم بعبادتها وقال لهم أنا ربكم ورب هذه الأصنام وذلك قوله أنا ربكم الأعلى والأولى أن يقال إن فرعون كان دهريًا منكر الوجود الصانع فكان يقول مدبر هذا العالم السفلي هي الكواكب فاتخذ أصنامًا على صورة الكواكب وكان يعبدها ويأمر بعبادتها وكان يقول في نفسه إنه هو المطاع والمخدوم في الأرض فلهذا قال أنا ربكم الأعلى وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك ويذرك وإلهتك بكسر الألف ومعناه ويذرك وعبادتك فلا يعبدك لأن فرعون كان يعبد ولا يعبد وقيل أراد بالآلهة الشمس والكواكب لأنه كان يعبدها قال الشاعر:
تروحنا من اللعباء قصرًا ** وأعجلنا الإلاهة أن تؤوبا

أراد بالإلاهة الشمس {قال} يعني فرعون مجيبًا لقومه حين قالوا له أتذر موسى وقومه {سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم} يعني نتركهن أحياء.
وذلك أن قوم فرعون لما أرادوا إغراء فرعون على قتل موسى وقومه أوجس موسى إنزال العذاب بقومه ولم يقدر فرعون أن يفعل بموسى شيئًا مما أرادوا به لقوة موسى عليه السلام بما معه من المعجزات فعدل إلى قومه فقال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم.
وقال ابن عباس: كان قد ترك القتل في بني إسرائيل بعد ما ولد موسى فلما جاءهم موسى بالرسالة وكان من أمره ما كان قال فرعون: أعيدوا عليهم القتل فأعادوا القتل على بني إسرائيل، والمعنى أن فرعون قال إنما يتقوى موسى بقومه فنحن نسعى في تقليل عدد قومه بالقتل لتقلَّ شوكته، ثم بين فرعون أنه قادر على ذلك بقوله: {وإنا فوقهم قاهرون} يعني بالغلبة والقدرة عليهم ولما نزل ببني إسرائيل ما نزل شكوا إلى موسى ما نزل بهم. اهـ.